Naoot

شارك على مواقع التواصل

أكتب هذه الكلمات يوم 25 يوليو 2005، الشهر الذي قام فيه انتحاريون بضرب لندنَ بالقنابلِ والمتفجراتِ للمرّة الأولى. الشعورُ العام في المملكة المتحدة في هذه اللحظة هو الحدسُ بأن مثل تلك الهجمات سوف تحدث أكثر وأكثر بشكل متكرر في المستقبل، وثمة كلامٌ كثير وجدلٌ حول كيف يمكن السيطرة والتعامل مع موقف يبدو جديدًا كل الجدّة على الشعب. المواطن الإنجليزي العادي يحاول أن يفهم ما الذي حدث كي يصبح العالم على هذه الصورة، ويسأل نفسه أسئلةً لم يسألها حقيقةً من قبل.
الحاجةُ إلى تواصل البشر عبر حواجز الدين والعِرق، من أجل الالتقاء والسعي الحقيقيّ ليفهم بعضُهم بعضًا، لم يكن مُلِحًّا وحتميًّا مثل الآن.
أؤمن أن السردَ القصصيّ –كلّ ألون الكتابة الإبداعية في واقع الحال – هو بالأساس معنيٌّ بفكرة التواصل. الرغبة في الاتصال والتواصل مع الآخرين هي أحد المحثات الأساسية التي تحرك حاجتي الخاصة للكتابة. من أجل ذلك كنت مبتهجًا للغاية حينما أخبرتني الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت عن عزمها على ترجمة مجموعة من قصصي إلى العربية، ومن ثم وافقتُ على الفور. أحببتُ الفكرةَ، فكرةَ أن تصل كلماتي إلى قرّاء أبعد من المتحدثين والناطقين بالإنجليزية، قراء آخرين نشئوا في بيئة وثقافة شديدتي الاختلاف عن بيئتي وثقافتي. وهذا ما سوف يكون عبر ترجمات قصصٍ مثل" أحلام أسامة، أحوال المادة، البومة، الأشياء التي تركتِ وراءك،" وغيرها من القصص التي سوف تقرأونها الآن.
لا أستطيع أن أوفي فاطمة شكرًا من أجل كل هذا الجهد، وآمل أن يحدث يوم وألتقي بها مباشرة كي أُظهر لها امتناني العميق شخصيًّا.
قرّاءٌ كثيرون أخبروني أن سردي القصصي يتمحور حول علاقات بين أشخاص غير سعداء: أشخاص خبروا الفقد والخسارة، أو هؤلاء الذين مروا بألم ما. ورغم أنني لا أبدأ الكتابة بنيّة مسبقة عن إنتاج ذلك النوع تحديدا من القص، أو حين أشرع في رسم شخوص سردي – زوجان مفجوعان بفقد طفلتهما في "البومة" على سبيل المثال، أو هذان الرجلان المحطمان في "أحول المادة" - إلا أنه من الواضح أن تلك التيمات بالفعل تظهر بجلاء على سطح أعمالي مجددا ومجددا. حسنا، لقد قيل مرات عديدة أن الكتّاب لا خيار لهم إلا الكتابة عن آلامهم، وأن سرد وخيال الكاتب يخففان من ضغوطه وأزماته النفسية. أظن أن ذلك صحيح بالنسبة لي مثلما هو صحيح بالنسبة للكتّاب الآخرين.
مع هذا أتمنى أن يجد القارئ شيئا أبعد من استكشاف الألم في قصصي. أتمنى أن يجد مساحة من الأمل، بعض خيوط البهجة التي لابد أن تمنحها الحياة رغم كل شيء. إذا ما استطاع قارئٌ أن يخرج من قصصي بشعور يقول إن الحياة رغم صعوبتها وتعنتها بوسعها أن تكون، بين وقت وآخر، شيئا مَجيدًا رائعًا، شيئا يجب أن نرعاه ونعتز به، إذا استطاع ذلك سأكون قد نجحتُ ككاتب.
أرجو أيضًا أن أؤكد بطريقة ما عبر بعض قصص هذا الكتاب على شيء أثق أنكم تعرفونه بالفعل جيدا– أن البشر سواءٌ في كل أركان الأرض، بصرف النظر عن موقعهم، وجنسهم، وعِرقهم، ودينهم. يجب في النهاية أن نتعلم الدرسَ الجليَّ في ذاته : أن ما يوّحدنا أهم بكثير جدا مما يشتتنا ويقسّمنا. وبمجرد أن نتعلم ذلك الدرس، يجب أن نعمل رأسا على الاحتفال بحقيقة أننا جميعنا مخلوقات غير مكتملة، سوى أننا جميعنا نتشارك في شيء أهم: الإنسانية.
لو أخفقنا في عمل هذا، سيلوح المستقبل موحشًا بالفعل.
من أجل ذلك يجب ألا نخفق.

أشكركم على قراءة مجموعتي القصصية.


جون ريفنسكروفت
لينكولنشاير
يوليو 2005
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.